شهدت قيمة العملة الإيرانية مسارا هبوطيا في العام الإيراني الماضي(انتهى 20 مارس/آذار الجاري)، وحطمت عدة مرات الأرقام القياسية في هذا المجال. فما العوامل التي تقف وراء تقلبات سعر الصرف في إيران، ولم هذا الانخفاض المتتالي؟
الخبيرة في شؤون الطاقة الإيرانية والصحفية والمديرة السابقة للقسم الفارسي في وكالة "ترند نيوز" الأذربيجانية، دالغا خاتين أوغلو، تناولت هذا السؤال في مقال تحليلي خاص لـ "إيران إنترناشيونال".
أدى السقوط الحر للعملة الوطنية الإيرانية منذ يناير 2024، إلى فقدها حوالي 20 بالمائة من قيمتها في أقل من ثلاثة أشهر. وهو الأمر الذي يزيد من شبح نمو التضخم في الأشهر المقبلة.
وقد انخفض التومان الإيراني لمستوى تاريخي خلال أيام العمل الأولى من العام الإيراني الجديد، وتم تداول كل دولار أميركي بسعر 61 ألف تومان في الأسواق المفتوحة، وهو ما يزيد بنسبة 43 بالمائة عما كان عليه في أبريل 2023.
ومن الصعب تفسير انخفاض قيمة التومان للوهلة الأولى، لأن حجم صادرات النفط الإيرانية زاد بشكل كبير، لكن نظرة فاحصة على الإحصائيات الرسمية تظهر انخفاضا في نمو الدخل.
هذه الأرقام يمكن أن تفسر لماذا تمتلك الحكومة أدوات محدودة للتأثير على سوق العملات.
ووفقا لتحليل شركة البيانات "كيبلر"، صدّرت إيران في عام 2023 حوالي 1.3 مليون برميل يوميا من النفط الخام ومكثفات الغاز، وهو ما يظهر نموا بنسبة 48 بالمائة مقارنة بالعام الماضي.
وبحسب تقديرات "كيبلر"، صدّرت إيران أيضًا 1.39 مليون برميل و1.44 مليون برميل يوميًا خلال شهري يناير وفبراير 2024 على التوالي.
في الوقت نفسه، تشير أحدث إحصائيات الجمارك الإيرانية إلى أن دخل تصدير النفط خلال 11 شهرًا من السنة المالية الماضية، من 20 مارس 2023 إلى 19 فبراير 2024، وصل إلى 32 مليار دولار أميركي، أي بزيادة قدرها 7.8 بالمائة فقط مقارنة بالعام السابق.
ولا يزال سبب الفجوة الكبيرة بين حجم وقيمة صادرات إيران النفطية غير واضح، في حين انخفض سعر النفط في الأسواق العالمية بنسبة 17 بالمائة فقط في عام 2023 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وبقي دون تغيير في الربع الأول لعام 2024 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
ويبدو أن إيران تواصل بيع نفطها للصين بتخفيضات أكبر من ذي قبل.
وعندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2018 وفرضت عقوبات على تصدير النفط الإيراني، انخفضت صادرات النفط الخام إلى حوالي 300 ألف برميل يوميًا، وهو ما يمثل سُبع حجم الصادرات قبل فرض العقوبات.
لكن بعد انتخاب الرئيس الأميركي، جو بايدن، وإعلان خطته لإحياء الاتفاق النووي، زادت الصين مشترياتها النفطية من إيران.
وبينما انخرطت إدارة بايدن في مفاوضات لإحياء الاتفاق النووي، فقد تنفيذ العقوبات زخمه، ما سمح لإيران بزيادة صادراتها النفطية إلى أكثر من ثلاثة أضعاف.
إلا أن الإحصائيات الجمركية تشير إلى انخفاض دخل الصادرات غير النفطية وارتفاع كبير في الواردات، ما أدى إلى عجز في الميزان التجاري الخارجي.
ميزان التجارة الخارجية
رغم أن إحصائيات الجمارك تشير إلى فائض في التجارة الخارجية قدره 19 مليار دولار في 11 شهرا من السنة المالية الماضية، إلا أن هذا الرقم لا يشمل إجمالي واردات إيران، بما في ذلك الخدمات مثل نقل صادرات النفط بالسفن الأجنبية، فضلا عن الواردات من الغاز الطبيعي والبنزين والديزل والكهرباء.
جدير بالذكر أن إيران تستورد نحو 15 مليار دولار من الخدمات سنويا، في حين لا يغطي تصدير الخدمات سوى نصف هذا الرقم. وفي الأشهر الثلاثة الماضية أيضًا، نشرت وسائل الإعلام في طهران تقارير عن الميزان التجاري السلبي.
وأعلن نائب رئيس خطوط الشحن الإيرانية، علي نازي، في مايو 2023 أن موانئ الصين المستقلة، التي تقوم بالجزء الأكبر من عمليات تحميل وتفريغ البضائع، لم تعد تسمح للسفن الإيرانية بالرسو بسبب العقوبات. ونتيجة لذلك، فإن معظم صادرات الطاقة الإيرانية وغيرها من التجارة مع الصين تتم عن طريق السفن الصينية أو دول أخرى.
وأضاف نازي أنه لا يُسمح للسفن الإيرانية بالرسو إلا في ميناءين حكوميين صينيين، وهما "غير مناسبين" لتجارة البضائع بسبب سوء المرافق بالإضافة إلى زيادة وقت وتكاليف التحميل والتفريغ.
وقد واجهت خطوط الشحن الإيرانية ظروفا أكثر صعوبة للعمل في أماكن أخرى، وخاصة الموانئ الأوروبية.
ومن ناحية أخرى، يتعين على إيران استخدام ناقلات النفط الأجنبية وعمليات النقل من سفينة إلى سفينة لتجاوز العقوبات الأميركية وتصدير النفط.
ولهذا السبب يبدو أن عجز الميزان التجاري الخدمي للدولة قد ارتفع بشكل كبير خلال 24 شهرا الماضية.
كما بدأت إيران أيضًا في استيراد الغاز الطبيعي والبنزين والديزل في السنة المالية الماضية، وقد زادت واردات الكهرباء إلى البلاد بسبب النقص المحلي.
والإحصائيات المعلنة من قبل الجمارك لا تشمل هذه الحالات. ومن ناحية أخرى، تواجه إيران قدرًا هائلاً من تدفق رأس المال إلى الخارج.
ولم ينشر البنك المركزي الإيراني إحصائيات تدفق رأس المال إلى الخارج في السنة المالية الماضية، ولكن في الفترة من فبراير 2023 إلى فبراير 2024، بلغ هذا الرقم 15 مليار دولار.
مشكلة العملات الصعبة
إن الميزان التجاري لإيران مع جميع شركائها الرئيسيين باستثناء العراق والصين سلبي. ولذلك، لا تستطيع طهران استخدام الروبية الهندية أو الليرة التركية أو الدينار الإماراتي لمواصلة التجارة مع هذه الدول.
ويمكن لإيران استخدام اليوان الصيني لتغطية الميزان السلبي في التجارة غير النفطية ودفع ثمن الخدمات الصينية، لكنها تحتاج إلى عملات قوية مثل الدولار الأميركي أو اليورو لتغطية الميزان التجاري السلبي مع الشركاء الآخرين.
وبحسب يوروستات (منظمة الإحصاء الأوروبية)، فإن 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي صدرت بضائع بقيمة 3 مليارات و934 مليون يورو إلى إيران خلال العام الماضي، في حين استوردت منها ما قيمته 799 مليون يورو فقط.
وعليه، كان العراق هو البوابة الرئيسية الوحيدة لإيران للوصول إلى الدولار الأميركي، لكن في عام 2023، فرضت واشنطن عقوبات صارمة على عدة بنوك عراقية متورطة في تهريب الدولارات الأميركية إلى طهران.
ولا يخفى أن العقوبات الأميركية على البنوك العراقية جعلت إيران في وضع معقد للغاية، لأن طهران لديها فائض تجاري نحو تسعة مليارات دولار مع العراق بسبب تصدير الغاز والكهرباء، في حين أن الدينار العراقي عملة لا فائدة منها لتغطية التوازن السلبي للتجارة الخارجية لإيران.