على الرغم من الاختلافات الكبيرة بين أصدقاء وأعداء حسن نصرالله، الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني، فإنهم يتفقون تمامًا على أمر واحد، هو أن مقتل نصرالله سيغيّر وجه الشرق الأوسط بشكل جذري.
ومع ذلك، تبدأ الانقسامات مجددًا عند هذه النقطة بالذات؛ إذ إن هذا "التغيير" يحمل دلالات مختلفة تمامًا للنظام الإيراني وحلفائه، مقارنة بما يعنيه لإسرائيل وأعداء حزب الله. ورغم وضوح هذا التباين، فإن المسألة الأكثر أهمية الآن هي مدى قدرة كل طرف على التحرك نحو تحقيق رؤيته لهذا التغيير.
غير أن كتابة فصل جديد من تاريخ الشرق الأوسط لم تبدأ بمقتل حسن نصرالله، بل مع هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. فقد اعتبرت إيران ووكلاؤها هذا الهجوم انتصارًا كبيرًا لهم، وأدرجوا ما وصفته إسرائيل بأنه "أسوأ وأكبر مجزرة بحق اليهود منذ الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية" ضمن رصيد قوتهم.
إن إحساسهم بهذا النصر ارتبط أيضًا بتجاهلهم الكامل لأرواح وممتلكات المدنيين، الذين لا يستطيعون ليس فقط معارضة سياسات حماس وحزب الله، بل يتم استخدامهم كدروع بشرية في مواجهة الجيش الإسرائيلي.
وفي الواقع، بعد الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر الماضي، لم تتمكن إيران وحلفاؤها، الذين يطلقون على أنفسهم "جبهة المقاومة"، من توجيه أي ضربة حاسمة أو حتى ملحوظة إلى إسرائيل.
وتمثلت كبرى محاولاتهم في إطلاق أكثر من 300 طائرة مُسيّرة وصاروخ باليستي وكروز من الأراضي الإيرانية نحو إسرائيل، ولكن هذا التحرك كان بلا جدوى عسكرية تُذكر، لا سيما بعد رد إسرائيل الانتقامي، الذي أظهر بوضوح الفجوة الواسعة في القدرات العسكرية والعملياتية بين إسرائيل وإيران.
وعلى النقيض من ذلك، كانت عمليات إسرائيل فعالة للغاية؛ فقبل حلول الذكرى السنوية لهجوم 7 أكتوبر، لم تكتفِ إسرائيل بقتل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في طهران، ومعه الأهم حسن نصرالله، الأمين العم لحزب الله اللبناني، وعباس نيلفروشان، نائب قائد العمليات في الحرس الثوري الإيراني، بل قضت تقريبًا على القيادة الرئيسة لكلا التنظيمين، ودمرت جزءًا كبيرًا من قواتهما ومنشآتهما ومستودعاتهما التسليحية، وأجرت هذه العمليات بطريقة مهينة لأقصى حد.
وقد أثار حجم وطبيعة الضربات الإسرائيلية الأخيرة، خاصة منذ مقتل فؤاد شكر في بيروت، وإسماعيل هنية في طهران، قلقًا كبيرًا لدى إيران ووكلائها؛ فالهلال الذي كانوا يعتقدون أنه على وشك الاكتمال بدأ يتلاشى بسرعة، ليصبح رقيقًا وهشًا مثل الهلال الجديد.
ووجد النظام، الذي استند على ثروات الإيرانيين لتمويل الجماعات التابعة له لسنوات، والذي اعتاد على الخطابات والتهديدات الجوفاء، نفسه عاجزًا عن الرد في ساحة المعركة؛ فبعد مقتل أهم حلفائه في المنطقة، لم يستطع النظام الإيراني حتى الحديث عن حقه في الانتقام.
ويبرر قادة النظام هذه الاستراتيجية بمعتقدات تركز على الأولويات؛ حيث يرون أن "الحفاظ على إيران واستقرارها" هو الواجب الأهم الذي يتجاوز كل الاعتبارات الأخرى.
لكن واقع الشرق الأوسط قد تغير بالفعل، وسيستمر هذا التغيير في مسار معين، على الأقل في المستقبل القريب، حتى وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض الأميركي.
ولا يبدو أن قادة النظام الإيراني يهتمون كثيرًا بسمعتهم؛ فبدلاً من ذلك، يسعون لتعويض هذه الهزيمة المذلة بزيادة القمع في الداخل، ومحاولة إبقاء القوى الوكيلة، التي تشعر بأنها تعرضت للخيانة، موالية لهم من خلال دفع الأموال وتقديم وعود عامة.
لكن الشيء الذي تغير، ولا تستطيع إيران السيطرة عليه، هو أن إسرائيل لا تزال غير راضية عما حققته حتى الآن. ويفهم قادة النظام الإيراني، وعلى رأسهم علي خامنئي وقادة الحرس الثوري، الرسالة الإسرائيلية بشكل أفضل من أي شخص آخر، ولهذا السبب لم يكن مفاجئًا أن يتخلوا عن فكرة الانتقام، بعد مقتل حسن نصرالله، ويتركوا المواجهة مع إسرائيل لحزب الله.
كما أن رد فعل إسرائيل ترك رسالة واضحة: "أي خطوة أخرى من إيران ستواجه برد أشد".
وتبدو إيران الآن في موقف ضعيف؛ فهي لا تملك الدعم الداخلي اللازم ولا الحلفاء الدوليين، الذين يمكنها الاعتماد عليهم في مواجهة إسرائيل، التي أثبتت أنها قادرة على ضرب مراكز طهران الحيوية في أي وقت تشاء.
وسواء أعجبنا ذلك أم لا، فإن هذه القضية مرتبطة بشكل جوهري بمقاومة إيران لرغبة الغالبية العظمى من الشعب الإيراني في الانتقال إلى نظام ديمقراطي.
إن هزيمة النظام، الذي طالما تصرف ضد مصالح الشعب الإيراني، وخصوصًا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، قد تتيح فرصة لتعزيز الوحدة والعمل الجماعي بين المواطنين الإيرانيين ضد ظلم "الجمهورية الإسلامية".
وإدراك اللحظة، التي ينهار فيها "وهم القوة"، يمكن أن يغيّر ميزان القوى بين الشعب الإيراني والنظام لصالح الشعب.