أفادت وكالة "بلومبرغ"، بأن تهريب النفط من إيران إلى الصين توسّع بشكل كبير منذ عام 2020 وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2024، رغم العقوبات الأميركية. وذكرت الوكالة أنه في الأشهر الأخيرة، تضاعف على الأقل حجم النفط، الذي يتم نقله بين السفن في هذه المنطقة، مقارنة بعام 2020.
وحذرت "بلومبرغ"، في تقريرها، من أن مجموعة متزايدة من السفن ضمن ما يُعرف بـ"الأسطول المظلم"، التي تعمل دون رقابة أو عقوبات على هامش ممر بحري معروف، نقلت مئات الملايين من براميل النفط الإيراني الممنوع إلى الصين في الأشهر الأخيرة.
وأشارت الوكالة إلى أن هذا النقل غير المراقب للنفط قد يؤدي إلى كارثة بيئية.
يُذكر أن "الأسطول المظلم" هو مصطلح يُستخدم للإشارة إلى السفن التي تحمل النفط الإيراني المحظور.
ووفقًا للتقرير، فإنه على بُعد 65 كيلومترا شرق شبه جزيرة ماليزيا تقع أكبر نقطة تجمع لناقلات "الأسطول المظلم" في العالم. وهذه السفن، القديمة في الغالب، غالبًا دون تأمين، وتصل يوميًا إلى هذه المنطقة لنقل شحناتها بعيدا عن الأنظار.
وهذا هو الطريق الذي تصل من خلاله مليارات الدولارات من النفط الإيراني المحظور إلى الصين سنويًا، على الرغم من أن بكين لم تعلن رسميًا استيرادها قطرة واحدة من طهران منذ أكثر من عامين.
وكشف تقرير "بلومبرغ"، الذي استند إلى خمس سنوات من صور الأقمار الصناعية بين 2020 وأكتوبر 2024، أنه رغم العقوبات الأميركية، فإن "صناعة الظل" المرتبطة بالنفط الإيراني تتوسع في هذه المنطقة من العالم.
ووفقًا للتقرير، فإن حجم النفط، الذي يتم نقله بين السفن في هذه المنطقة تضاعف، في الأشهر الأخيرة، مقارنة بعام 2020، إلا أن تقدير الكمية الدقيقة للنفط المهرب عبر هذا الممر يكاد يكون مستحيلاً.
20 مليار دولار من عائدات النفط المحظور
وقد ذكرت "بلومبرغ" أن الافتراضات المتحفظة بشأن حجم الناقلات تشير إلى نقل نحو 350 مليون برميل من النفط في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام في هذه المنطقة.
وبالنظر إلى متوسط سعر النفط لعام 2024 والتخفيض المطبق على النفط المحظور، فإن العائدات قد تصل إلى أكثر من 20 مليار دولار، مع تأكيد "بلومبرغ" أن القيمة الحقيقية قد تكون أعلى من ذلك بكثير.
ووفقًا للتقرير، فإن هذه الكميات من النفط المهرب تأتي في معظمها من إيران؛ حيث كانت السفن التي تم التحقيق في أنشطتها في التقرير مرتبطة بشحنات إيرانية.
وبالنسبة لإيران، التي تحتاج إلى العائدات، وتواجه نقصًا حادًا في المشترين بسبب العقوبات، فإن المخاطرة في بحر الصين الجنوبي وسيلة للبقاء. أما بالنسبة للصين، التي لا تلتزم بالعقوبات الأميركية، فإن هذه الشبكة المعقدة من الوسطاء والسفن المملوكة لشركات صورية تتيح لمصافيها الصغيرة الوصول إلى النفط الرخيص.
وهذا الوضع، إلى جانب "الأسطول المظلم"، يمثل تهديدا مباشرا لمحاولات الغرب للحد من عائدات إيران وروسيا وفنزويلا، ويُظهر مدى صعوبة تطبيق العقوبات بفاعلية.
أسطول يتوسع
قالت وزارة الخارجية الصينية لـ"بلومبرغ"، دون أن تدلي بتصريح محدد حول نقل النفط الإيراني إلى بكين: "إن التجارة الصينية مع إيران تتم وفق الأصول القانونية ويجب احترامها وحمايتها".
وأشار خبراء الأمن البحري لـ"بلومبرغ" إلى أن النتيجة المحتملة لعمليات هذا الأسطول المتنوع من السفن، التي تنقل النفط دون رقابة، قد تكون كارثة بيئية بسبب التسرب النفطي، وهي مجرد مسألة وقت.
وفي الوقت نفسه، أعرب مالكو السفن الشرعية عن قلقهم من المخاطر الناجمة عن العدد الكبير من السفن غير المؤمنة التي تعمل في "الأسطول المظلم"، والتي تعبر الممرات البحرية المزدحمة، وأجهزة الإرسال الخاصة بها غالبًا ما تكون معطلة، مما يجعل تحديد مواقعها صعبًا، خصوصًا ليلاً أو في الطقس العاصف.
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا والإجراءات الغربية اللاحقة للحد من عائدات الطاقة الروسية، توسع "الأسطول المظلم" بشكل كبير على مستوى العالم، مع زيادة النشاط في نقاط نقل بحرية رئيسة، بما في ذلك السواحل اليونانية وخليج عُمان والممر الضيق بين ماليزيا وإندونيسيا.
وذكرت "بلومبرغ" أن المجموعة المرتبطة بإيران توسعت في هذه المنطقة، مثل نظيراتها في مناطق أخرى، تسعى لتجنب الموانئ والمياه الإقليمية، التي تخضع لرقابة أكثر صرامة.
بيع النفط الإيراني تحت اسم النفط الماليزي
وفقًا لبيانات الجمارك الصينية، لم تستورد الصين أي نفط من إيران منذ منتصف عام 2022. ومع ذلك، تُظهر تقديرات المحللين والأكاديميين وبيانات تتبع السفن أن الشركات الصينية تشتري ما يقرب من 90 في المائة من صادرات النفط الإيراني، وهو ما يشكل نحو 10 في المائة من إجمالي واردات الصين من النفط.
وتؤكد أدلة أخرى وجود تهريب واسع النطاق للنفط؛ ففي الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، ارتفعت واردات النفط من ماليزيا- التي يتم تسجيل معظم النفط الإيراني المهرب باسمها- بمقدار ثمانية أضعاف مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018، قبل إعادة فرض العقوبات الأميركية بالكامل على إيران.
ووفقًا لبيانات الجمارك الصينية، فقد استوردت بكين في عام 2023 أكثر من 1.1 مليون برميل يوميًا من النفط من ماليزيا، بينما يبلغ الإنتاج اليومي لماليزيا 508 آلاف برميل فقط.
ويستفيد "الأسطول المظلم" بالكامل من هذا الغموض؛ حيث تنقل السفن النفط، وتُجرى عمليات شحن بين السفن، وتستعين بوسطاء وعمال صيانة وخدمات لوجستية عند الحاجة.
وذكرت "بلومبرغ" أنه مع تولي إدارة ترامب السلطة فعليًا، من المتوقع فرض عقوبات أكثر صرامة وزيادة الضغط على طهران، وأي طرف يتعامل معها، ومع ذلك، من غير المرجح أن تمنع هذه الإجراءات وصول النفط إلى الصين.
ووفقًا للتقرير، فإن نقطة البداية لتعزيز الرقابة ستكون بفرض قانون بحري يطلب من السفن المشاركة في عمليات النقل بين السفن إبلاغ الدول الساحلية بنواياها والالتزام بالأساليب المتفق عليها.